مقالات اردنية حول الشان الفلسطيني
“الدولة اليهودية”: خطوة أخرى نحو الفشل
(علاء الدين ابو زينة – الغد)
ما أزال واحداً من كثيرين يؤمنون بأن المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، انطوى منذ بدايته، بنيوياً، على مقدمات دماره الذاتي. وتتأصل هذه الفكرة موضوعياً في طبيعة الأيديولوجيا المتطرفة، العنصرية والإقصائية، التي تبناها المشروع الصهيوني، والتي ترشد سياسات الكيان حتى الآن، في تناقض حتمي مع أي تكوين إنساني قابل للديمومة. والمؤشرات واضحة على تغيُّر النظرة العالمية إلى حقيقة الصراع الجاري في فلسطين؛ عملياً عبر حملة المقاطعة المتعاظمة للكيان، وأساطيل الحرية، والاعترافات المتعاقبة بدولة فلسطين؛ ونظرياً عبر مجاهرة مفكرين وأكاديميين غربيين بوجهات نظرهم المنتقدة ونبذهم وهم “الهولوكوست”، أو حتى انشقاق الكثير من يهود العالم عن فكرة “إسرائيل”. بل ان بعضاً من أبرز المفكرين اليهود يشتغلون بتركيز على تفكيك وفضح مشروع “إسرائيل” العنصري الإقصائي. وفي بعض الأحيان، لا ينطلق المنتقدون من أنصار الكيان من تعاطف مع الفلسطينيين، بقدر ما يستشرفون المخاطر الأكيدة التي تشكلها السياسات العدوانية الوحشية على مستقبل الكيان نفسه.
في الأيام الأخيرة، قطع الكيان خطوة أخرى على طريق القطيعة الكاملة مع محيطه والعالم، بإقرار مشروع “الدولة اليهودية” في الكنيست. ويقترح المنطق أن يدفع واقع تنامي عزلة الكيان قادته إلى التوقف وإعادة التفكير في مآلات تصعيد العداء وقتل كل فرصة لسلام. لكن منظومتهم العقلية مستغرقة في غطرسة عصابية، أسستها الانتصارات الصهيونية المبكرة على العرب، وغذاها الدعم غير المحدود من الراعي الأميركي الذي لا يحفل هو نفسه بقانون دولي ولا عرف إنساني، ويكفل لربيبه الاستعماري الإفلات الدائم بجرائمه من العقاب.
في وقت مبكر من المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين، وتحت عنوان “من أجل إنقاذ الوطن اليهودي: ما يزال هناك وقت”، كتبت الفيلسوفة اليهودية الألمانية حنة آرنت في شهر أيار (مايو) 1948: “إن الهدف الحقيقي لليهود في فلسطين هو بناء وطن قومي لليهود. ولا يجب أن يُضحى بهذا الهدف أبداً لصالح السيادة الزائفة المتمثلة في الدولة اليهودية”. وكانت آرنت، والتيار الذي تمثله، يميزون بين اعتبار فلسطين مكاناً يستطيع اليهود أن يتجمعوا فيه ويعتبروه وطناً، وبين أن يجعلوها “دولة يهودية” بمعنى الاستيلاء عليها وتجريدها من مواطنيها الأصليين. ورأى ذلك الاتجاه في فكرة “الدولة اليهودية” اتجاهاً انتحارياً على المدى الطويل، كما شرحت آرنت: “إن فكرة التعاون العربي اليهودي، مع أنها لم تتحقق على أي نطاق، وتبدو اليوم أبعد منالاً من أي وقت مضى، ليست حلم يقظة مثاليا، وإنما تعبير واع عن حقيقة أنه بدون (ذلك التعاون)، فإن المشروع اليهودي كله في فلسطين منذور للفشل”.
الآن أيضاً، يتحدث يهود متنورون كثر عن نفس الفكرة بازدياد. وعلى سبيل المثال، يكتب الموسيقار “الإسرائيلي” دانيل بارنبويم، الذي هاجر من الكيان احتجاجاً على سياساته، مطالباً بتغيير النهج العدواني كضرورة لإنقاذ مشروع الكيان. ويستشهد لدعم فكرته بالزعيم الصهيوني الذي لا يستطيع أحد أن يزايد عليه في صهيونيته وإخلاصه، إسحق رابين، فينقل عنه قوله: “لقد كنت جندياً، وأعرف أن إسرائيل يمكن أن تكسب الحروب مع سورية ولبنان ومصر، بل وحتى أن تنتصر عليها جميعاً مرة واحدة. لكن إسرائيل لا يمكن أن تكسب الحرب ضد الشعب الفلسطيني. إن واجبي الأول هو حماية أمن الشعب الإسرائيلي، وأستطيع أن أفي بهذا الالتزام فقط إذا صنعنا السلام مع الفلسطينيين”.لدى رؤية هذه التصورات في السياق، يمكن النظر إلى مشروع “الدولة اليهودية” الأخير، لا على أنه خطر جديد على الفلسطينيين، وإنما كخطوة تلحق ضرراً حتمياً بكيان الاحتلال على المستوى الاستراتيجي. فطالما أن “إسرائيل” لم تستطع هزيمة الشعب الفلسطيني، كما اعترف رابين، فإن المزيد من اضطهادهم وتحريض مقاومتهم سيعني أمناً أقل للكيان باطراد، وخطراً أكبر عليه. وقد حاول الكيان مسألة “التهجير” والإبادة وكل الوسائل ولم تنفع، ولن ينفع المزيد منها على الأغلب.يتكرر نموذج العزلة الآن في الدولة الدينية الأخرى في المنطقة “الدولة الإسلامية”. وتقول القراءات أن هذه “الدولة” الأخرى تحمل بذور فنائها في وحشيتها واستعدائها الجميع، بنفس منطق الغطرسة الأيديولوجية الشوفينية والكراهية ورفض السلام. وعلى اختلاف التفاصيل، يبقى جوهر المشروعين الانعزاليين هو نفسه، ووجهاتهما الانتحارية نفسها أيضاً.
مفارقة التّهويد والعَلْمَنة
(خيري منصو ر-الدستور)
تحت شعار تهويد الدولة، سعت اسرائيل منذ وقت ليس بالقصير الى حذف واقصاء اعضاء الكنيست من العرب، وذلك انسجاما مع استراتيجية الحذف لأكثر من مليون فلسطيني، ثم مهدت للتطهير العرقي في مجال العمل بدءا من عسقلان وأخيرا واصلت اصرارها على ان القدس عاصمة ابدية للدولة اليهودية، والمفارقة في كل ذلك هي ان الدين يوظف لاهداف تتجاوز العلمانية الى البرغماتية، فقادة الدولة العبرية ليسوا حاخامات بل ساسة وجنرالات يحتكمون في كل شيء الى معايير الربح والخسارة، والتحالف مع الشياطين اذا تطلّب الأمر ذلك، وافتضاح توظيف الدين في المشروع الصهيوني لم ينتظر قرنا كما يتصور البعض، ففي كتابات رواد هذا المشروع تفوح رائحة لا علاقة لها بالسماء والكيبوتس في النهاية ليس معبدا بل هو مصنع لتفريخ مستوطنين ومجندين مما دفع اكثر من كاتب وكاتبة في اسرائيل الى القول بأن الدولة عندما تصبح ثكنة فقط فإن المستقبل ليس حليفها، قال ذلك بوضوح اسرائيل شاحاك الذي قام بتهجير معادلات الكيمياء من الطبيعة الى التاريخ، لهذا وصف بالعقوق شأن آخرين من اليهود الذين ادركوا بأن ما سمي ارض الميعاد ليس في حقيقته سوى فخ او كمين لأجيالهم القادمة، وكانت الكاتبة يائيل دايان ابنة الجنرال دايان قد حذّرت الصهيونية من الافراط في التربية الاسبارطية، خصوصا في روايتها « طوبى للخائفين « والتي تنتهي فيها الى القول بأن التربويات الصهيونية التي حاولت حقن الاطفال اليهود بأمصال مضادة للخوف ادّت الى نتائج معكوسة، فمن لقّنوا بأن عليهم ان لا يخافوا اصبحوا يخافون من ان يخافوا وبالتالي تحوّل الخوف الى فوبيا عصفت بأعصابهم فكانت تلك النتائج المأساوية من الانتحارات وفرار المجنّدين وتفشيّ الشذوذ .
تهويد الدولة سباحة مضادة لتيار التاريخ، ووضع التكنولوجيا في اقصى تجلياتها في خدمة الميثولوجيا من شأنه ان يخلق (شيزوفرينيا )تتحول بمرور الوقت الى وباء نفسي واجتماعي، وما قدم في اسرائيل على انه (يوتوبيا) تجتذب المهاجرين تحول الى ديستوبيا او مدينة راذلة وليست فاضلة .هذا ما تقرره ثقافة نازفة وهوية تقضم نفسها بدءا مما يقوله اليهود الشرقيون او السفارديم مرورا بما يصدر عن الفلاشا الذين حرموا من التبرع بالدم لأنهم من سلالة غير بيضاء او من الاشكيناز . ان اسرائيل بالسعي نحو التهويد انما تنتحر كدولة كي تعود الى حركة او جيتو كبير !!
في غزة هناك من يموت بلا استئذان!
(الدستور- جمال العلوي)
غزة تعيش أياما صعبة، رغم هدوء جبهات النار والحرب الا أنها،لا تزال تمر بوضع لا يمكن احتماله، فالبيوت التي هدمت بفعل قوة النيران الصهيونية، يعيش أهلها في ظروف غير معقولة وتحتاج الى وقفة جادة من أبناء الامة العربية والاسلامية.لكم،أن تتخيلوا مأساة الاهالي الذين فقدوا بيوتهم خلال المنخفضات الجوية التي تمر بها المنطقة ولكم، أيضا أن تتخيلوا حجم معاناة الذين يعيشون في بيوت آيلة للسقوط،بفعل غياب أي بديل واقعي يمكنهم من الخروج من المحنة، وفعلا هناك بيوت سقطت بفعل الامطار.وتقدر دراسة أعدها الباحث غازي الصوراني المنازل المدمرة بين عامي 2009 و2012 بـ 35,550 بين كلي وجزئي، وخلال حرب 2014 نلاحظ تزايد الهمجية النازية الصهيونية التي قامت بتدمير أكثر من 60 ألفا من الوحدات السكنية / بين كلي وجزئي. أما على صعيد تقدير الخسائر المادية، فبلغ خلال حرب 2012 ما يقارب 2,8 مليار دولار، في حين أنه خلال حرب 2014 بلغت التقديرات أكثر من 6 مليارات دولار.ترى هل تعني هذه الارقام شيئا، لن ندخل في معاناة الجرحى وذوي الشهداء لكننا سنبقى في معطى الارقام والواقع المعيشي الصعب، الالاف فقدوا وظائفهم وغيرهم من الالاف لا تزال رواتبهم مجمدة او تبحث عن حلول تتعامل مع رغبات الاحتلال وقيوده.نحن إذن، أمام أوضاع معقدة في مجابهة شروط العدو الاسرائيلي وشروط الدول المانحة من ناحية وفي حرصنا على ايجاد الحلول الكفيلة بإنهاء معاناة أبناء شعبنا العربي الفلسطيني، الذين دمرت بيوتهم ومصانعهم ومزارعهم من ناحية ثانية، إلى جانب النضال من أجل انهاء حصار قطاع غزة الذي بات سجناً كبيراً بلا سقف.! مطلوب من الدول العربية وقوى المجتمع المدني والمنظمات والاحزاب والسلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة الدخول في إجراءات عملية توفر اليات الضغط المناسبة لتوفير التوقيت المناسب للبدء في عملية الاعمار،بعيدا عن القيود الصهيونية وتحفظات المنظمات الدولية،وتلبية مطالب الناس الذين قدموا كل قصص الصمود والبطولة والقدرة على التحمل لدفعهم نحو أفاق مريحة،تخرجهم من ظلمات الويل والدمار والموت البطيء في سجن مفتوح على مصراعيه،ويموتون بلا استئذان. علينا أن لا ننسى أنهم بشر، ولهم شروط للحياة واستحقاقات يومية، وعلينا ان نتذكر مع كل لقمة سائغة تمر في منازلنا أن هناك من لا يجدها ومع كل معاناة مع الشتاء والمنخفضات القادمة أن هناك من يصل الى مرحلة الغضب والانفجار عند قدوم رحمة السماء في وقت لا ترحمه الارض ولا أهلها.
دوافع مطلب «الدولة اليهودية»: شهادات إسرائيلية كاشفة
(اسعد عبد الرحمن-الراي)
بات «الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية» أحد أهم الشروط الإملائية الإسرائيلية، خاصة مع مصادقة حكومة (بنيامين نتنياهو) على مشروع قانون يعرّف إسرائيل كدولة «الشعب اليهودي» فقط ويحوّل فلسطينيي 48 رسميا إلى مواطنين من الدرجة الثانية. ومن الملاحظ تكاثر تصريحات السياسيين الإسرائيليين في هذا الشأن بزعم أنه الضامن الأكبر لأمن «دولة إسرائيل. ونجد هذا الشرط موضع نقاش/ صراع وبخاصة بين المؤيدين والمعارضين للنشاط الاستعماري/ «الاستيطاني». فالمعارضون يعمدون إلى إشهار سلاح «يهودية الدولة» في وجه خصومهم تحت ذريعة أن النشاط «الاستيطاني» (الذي يستدعيه بقوة مطلب «يهودية الدولة») من شأنه نسف «عملية السلام»، الأمر الذي يستتبع سقوط «حل الدولتين»، وتمهيد الطريق بالتالي أمام الحل الآخر المنذر بقيام دولة ثنائية القومية، وما ينطوي عليه من مخاطر على «يهودية الدولة».
ثمة مواقف لشخصيات سياسية وفكرية، ولقوى سياسية إسرائيلية تنتمي إلى الوسط وحتى إلى يمين- الوسط تعتبر أن الاعتراف بيهودية الدولة لا لزوم له، وأن الهدف الحقيقي منه هو «التعجيز» على درب إفشال أي مساع لإنجاح عملية سياسية مع الفلسطينيين. فمثلا، اعتبر الرئيس الإسرائيلي السابق (شيمون بيريز) أن إصرار (نتنياهو) على الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية» هو أمر «غير ضروري» وقد يؤدي إلى إفشال المفاوضات مع الفلسطينيين. أما وزير المالية (يائير لبيد) فقد أكد أن مطالبة الفلسطينيين بـ»الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لا لزوم لها على الإطلاق». وبصفته أيضا زعيم حزب «يوجد مستقبل» وشريك (نتنياهو) في الائتلاف الحكومي أضاف قائلا: «نتنياهو مخطئ بمطالبته الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة كشرط مسبق للاتفاق، فإسرائيل ليست بحاجة إلى اعتراف فلسطيني لكي تكون دولة يهودية». أما التصريحات الكاشفة فقد وردت على لسان رئيس «الموساد» السابق (مئير داغان)، حيث وصف مطلب (نتنياهو) من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية» بالهراء والحماقة. ومما قاله (داغان) «اذا اطلعنا على قرار الامم المتحدة المتعلق بإقامة دولة فلسطينية لعام 1947 فسنجد أنه ينص وبوضوح على أن إسرائيل ستقوم كدولة يهودية». وتساءل بحرارة: «لماذا نحن نريد اعترافا بهذا من الفلسطينيين الان؟، وهل نحن نريد اعترافا من دولة فلسطينية أصلاً هي ليست قائمة؟». وختم (داغان) بقوله أنه «يتوجب على إسرائيل، بدل الاصرار على هذا الاعتراف، الإصرار على أن لا يكون هناك حق عودة للاجئين الفلسطينيين، فموضوع اللاجئين هو الخطر الحقيقي على الدولة اليهودية». غير أن الموقف والتحليل الأوضح كان من نصيب (هيلل كوهين). ففي مقال بعنوان «الاعتراف بيهودية الدولة هو اعتراف بالهزيمة التاريخية»، كتب (كوهين) يقول: «في اتفاقات اوسلو، اعترفت القيادة الفلسطينية بدولة اسرائيل. ولكن من ناحية الفلسطينيين لم يكن ذلك اعترافا بحق اليهود في إقامة سيادة على قسم من بلادهم، بل اعتراف بواقع سياسي توجد فيه الدولة. والاعلان عن الاعتراف بدولة يهودية، المطالب به منهم الان، معناه الاعتراف في أن لليهود حقا في السيادة في البلاد، اعتراف بحق المسيرة التي حولت العرب من أغلبية في البلاد الى أقلية فيها، مع منح مصادقة على المسيرة التي حولت أغلبية الفلسطينيين الذين عاشوا في اراضي دولة اسرائيل الى لاجئين وتأكيد مكانة الفلسطينيين من مواطني اسرائيل كأجانب في بلادهم. اعطاء مثل هذا الاعتراف (فلسطينيا) هو اعتراف بهزيمة تاريخية (من قبلهم) وقبول الحكم بالظلم الذين هم ضحيته».القصد من مطلب «إسرائيل» الاعتراف «بيهودية الدولة» هو التهرب من استحقاقات التسوية السياسية، ناهيك عن إطاحة حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي تكفله الشرعية الدولة، وإزالة الاحتلال الإسرائيلي بشكليه العسكري والاستعماري/ «الاستيطاني» من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، لكي يكون بالإمكان إقامة «دولة فلسطين». فضلا عن ذلك، الاعتراف الفلسطيني «بيهودية إسرائيل» هو فتح المجال أمام إعادة تهجير لفلسطينيي 1948، ونزع الشرعية عن مواطنة مليون ونصف المليون منهم. ومن الثابت أن مصطلح «الدولة اليهودية» لن يتعامل مع اليهودية كدين، وإنما مع الدولة القومية والثقافة اليهودية، بما أنها تشكل موطنا لليهود في العالم أجمع، على حساب أصحاب الأرض الشرعيين من العرب الفلسطينيين. لذا، لا يمكن، فلسطينيا، قبول الدعوات التي تصل حد مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حقوقهم ومعتقداتهم التاريخية لصالح معتقدات أو أساطير صهيونية «تاريخية»ولنعترف: لقد تفاقمت الشهية الصهيونية هذه بعد أن تجاوز الإسرائيليون مسألة الاعتراف الفلسطيني والعربي بوجود «إسرائيل» بل وأيضا، بأحقيتها في الوجود! فهل نشحد شهيتنا العربية (والفلسطينية) من جديد ونستعيد ما أهدرناه من حقوق في ظل «مسيرة السلام» العبثية؟
«خنجر إسرائيل» المشكلة فينا !
(الراي-صالح القلاب)
في عام 1957 نشر الصحافي الهندي كارينجا كتاباً إسمه :»خنجر إسرائيل» هُو ملخص مقابلة مع وزير الحرب الإسرائيلي موشيه دايان قال فيها :»إنَّ دولته ستدمر كل الطائرات المصرية وهي رابضة في مطاراتها وعندها ستصبح سماء المنطقة مُلكاً لنا وعندها سنستطيع حسم أي حرب مقبلة».. وحقيقة إن هذا ما جرى في عام 1967 ،أي بعد عشرة أعوام عندما كانت هزيمة العرب الكبرى التي تم فيها احتلال باقي ما تبقى من فلسطين وذلك بالإضافة إلى سيناء حتى قناة السويس وبالإضافة إلى جبل الشيخ وهضبة الجولان السورية حتى مشارف دمشق.
في ذلك الكتاب الذي لم يقرأه كثيرون من الذين يصنعون السياسة ويتخذون القرارات في المنطقة العربية كشف هذا الصحافي الهندي عن وثيقة إسرائيلية سرية لتقسيم الوطن العربي والهلال الخصيب وحوض نهر النيل تحديداً وبحيث يصبح العراق ثلاث دول ، دولة سنية في الوسط ودولة شيعية في الجنوب ودولة كردية في الشمال، وتصبح سوريا ثلاث دول أيضاً ، سنية وعلوية ودرزية، في حين يصبح لبنان دولتين ، شيعية في الجنوب ومارونية في الشمال، وفي حين يصبح السودان ثلاث دول وتصبح مصر أيضاً ثلاث دول!!.
وحسب هذا الصحافي الهندي ،الذي إلتقى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأطلعه على محتوى هذا الكتاب قبل نشره وطلب منه وضْع مقدمة له، فإن دايان قد قال له :»إن العرب لا يقرأون وإنهم إذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعملون وإذا عملوا لا يستمرون» والمعروف أنَّ سيف التقسيم أصبح ، بعد سبعة وخمسين عاماً من صدور هذا الكتاب، يضرب العراق ويضرب سوريا ولبنان بعدما ضرب السودان ولا يزال يضربه.. ونسأل الله ألاَّ يضرب مصر ، أرض الكنانة، التي كانت موضوعة على هذه اللائحة السوداء خلال عام حكم الإخوان المسلمين والتي من الواضح أنَّ هدف الإرهابيين الذين يرتكبون جرائمهم تحت عنوان :»أنصار بيت المقدس» هو تقسيمها إلى ثلاث دول هي :إمارة سيناء ودولة للأقباط في الجنوب ودولة للمسلمين في باقي ماتبقى.
ولعل ما لم يورده كارينجا في كتابه هذا :»خنجر إسرائيل» هو أنَّ هناك الآن عدداً من الدول العربية باتت مهددة بأبشع أشكال التقسيم أولها ليبيا وثانيها اليمن وبالطبع فإن الصومال غدا منذ أكثر من عقدين من الأعوام دولتين بعاصمتين إحداهما شمالية والأخرى جنوبية وبالطبع أيضاً فإن عيون المتآمرين لم تَكُفْ عن التركيز على الجزائر حماها الله وأنَّ المغرب يعاني من جرح ما يسمى :»الجمهورية الصحراوية» الذي لا يزال راعفاً والذي يواصل تسميم العلاقات الأخوية الجزائرية-المغربية.وهنا فإنَّ ما تجب الإشارة إليه هو أن المطران لوقا الخوري قد استعرض ما جاء في هذا الكتاب الخطير جداً على صفتحه الرسمية في «الفيس بوك» وأنه كتب في مطلع مقاله بهذا الخصوص : تستدعي التطورات الراهنة في المشهد العربي الممتد من فلسطين إلى العراق إلى مصر فالسودان وإلى ليبيا فسوريا وغيرها إستحضار ما جاء في كتاب «خنجر إسرائيل» للنبش والتذكير كي لا ننسى تلك المشاريع والمخططات الإستعمارية المتصلة التي تستهدف تفكيك هذه الأمة».. وهنا ومرة ثانية فإنه علينا أن ندرك أن ما يجري في هذه الدول العربية لم يأتِ مفاجئاً فهذه التمزقات التي نراها الآن هي نتيجة أوضاعٍ مأساوية بائسة سادت في هذه الدول على مدى نحو نصف قرن واكثر مما جعل كل هذه التطورات تحصيل حاصل ونتائج حتمية.
إنَّ هناك مؤامرة لا شك في هذا ولكن علينا أن نعرف أنه ما كان لهذه المؤامرة أن تحقق كل هذه النجاحات المرعبة لو لم تُبتلَ هذه الدول العربية التي تتفتت الآن أمام عيوننا بأنظمة إستبدادية وقمعية دمرت الحياة السياسية في البلدان التي حكمتها ومزَّقت وحدتها الإجتماعية وأيقظت فيها كل أمراض التاريخ من طائفية ومذهبية وعرقية وسهَّلت للطامعين غزوها من الداخل قبل أن يغزونها بجيوشهم العسكرية من الخارج… إنَّ المشكلة تكمن في أنَّ تلك الشعارات الجميلة التي رُفعت في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي قد مُسِختْ وإن الحرية تحولت إلى سجون ومشانق وساحات إعدامات وإن الوحدة قد أصبحت تمزقات قُطْرية وإقليمية وتطلعات إستحواذية وإحتلالية عبر الحدود وأن الإشتراكية غدت إفقاراً منهجياً وفساداً مستشرياً ومصادرات زادت «الكادحين» كدحاً والفقراء فقراً وأنتجت فئة جديدة غير مؤهلة باتت تمتلك الثروة بعدما امتلكت الحكم والقوة!!.
دوافع مطلب «الدولة اليهودية»: شهادات إسرائيلية كاشفة
(الراي- د.اسعد عبد الرحمن)
بات «الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية» أحد أهم الشروط الإملائية الإسرائيلية، خاصة مع مصادقة حكومة (بنيامين نتنياهو) على مشروع قانون يعرّف إسرائيل كدولة «الشعب اليهودي» فقط ويحوّل فلسطينيي 48 رسميا إلى مواطنين من الدرجة الثانية. ومن الملاحظ تكاثر تصريحات السياسيين الإسرائيليين في هذا الشأن بزعم أنه الضامن الأكبر لأمن «دولة إسرائيل. ونجد هذا الشرط موضع نقاش/ صراع وبخاصة بين المؤيدين والمعارضين للنشاط الاستعماري/ «الاستيطاني». فالمعارضون يعمدون إلى إشهار سلاح «يهودية الدولة» في وجه خصومهم تحت ذريعة أن النشاط «الاستيطاني» (الذي يستدعيه بقوة مطلب «يهودية الدولة») من شأنه نسف «عملية السلام»، الأمر الذي يستتبع سقوط «حل الدولتين»، وتمهيد الطريق بالتالي أمام الحل الآخر المنذر بقيام دولة ثنائية القومية، وما ينطوي عليه من مخاطر على «يهودية الدولة».ثمة مواقف لشخصيات سياسية وفكرية، ولقوى سياسية إسرائيلية تنتمي إلى الوسط وحتى إلى يمين- الوسط تعتبر أن الاعتراف بيهودية الدولة لا لزوم له، وأن الهدف الحقيقي منه هو «التعجيز» على درب إفشال أي مساع لإنجاح عملية سياسية مع الفلسطينيين. فمثلا، اعتبر الرئيس الإسرائيلي السابق (شيمون بيريز) أن إصرار (نتنياهو) على الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية» هو أمر «غير ضروري» وقد يؤدي إلى إفشال المفاوضات مع الفلسطينيين. أما وزير المالية (يائير لبيد) فقد أكد أن مطالبة الفلسطينيين بـ»الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لا لزوم لها على الإطلاق». وبصفته أيضا زعيم حزب «يوجد مستقبل» وشريك (نتنياهو) في الائتلاف الحكومي أضاف قائلا: «نتنياهو مخطئ بمطالبته الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة كشرط مسبق للاتفاق، فإسرائيل ليست بحاجة إلى اعتراف فلسطيني لكي تكون دولة يهودية». أما التصريحات الكاشفة فقد وردت على لسان رئيس «الموساد» السابق (مئير داغان)، حيث وصف مطلب (نتنياهو) من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية» بالهراء والحماقة. ومما قاله (داغان) «اذا اطلعنا على قرار الامم المتحدة المتعلق بإقامة دولة فلسطينية لعام 1947 فسنجد أنه ينص وبوضوح على أن إسرائيل ستقوم كدولة يهودية». وتساءل بحرارة: «لماذا نحن نريد اعترافا بهذا من الفلسطينيين الان؟، وهل نحن نريد اعترافا من دولة فلسطينية أصلاً هي ليست قائمة؟». وختم (داغان) بقوله أنه «يتوجب على إسرائيل، بدل الاصرار على هذا الاعتراف، الإصرار على أن لا يكون هناك حق عودة للاجئين الفلسطينيين، فموضوع اللاجئين هو الخطر الحقيقي على الدولة اليهودية». غير أن الموقف والتحليل الأوضح كان من نصيب (هيلل كوهين). ففي مقال بعنوان «الاعتراف بيهودية الدولة هو اعتراف بالهزيمة التاريخية»، كتب (كوهين) يقول: «في اتفاقات اوسلو، اعترفت القيادة الفلسطينية بدولة اسرائيل. ولكن من ناحية الفلسطينيين لم يكن ذلك اعترافا بحق اليهود في إقامة سيادة على قسم من بلادهم، بل اعتراف بواقع سياسي توجد فيه الدولة. والاعلان عن الاعتراف بدولة يهودية، المطالب به منهم الان، معناه الاعتراف في أن لليهود حقا في السيادة في البلاد، اعتراف بحق المسيرة التي حولت العرب من أغلبية في البلاد الى أقلية فيها، مع منح مصادقة على المسيرة التي حولت أغلبية الفلسطينيين الذين عاشوا في اراضي دولة اسرائيل الى لاجئين وتأكيد مكانة الفلسطينيين من مواطني اسرائيل كأجانب في بلادهم. اعطاء مثل هذا الاعتراف (فلسطينيا) هو اعتراف بهزيمة تاريخية (من قبلهم) وقبول الحكم بالظلم الذين هم ضحيته».
القصد من مطلب «إسرائيل» الاعتراف «بيهودية الدولة» هو التهرب من استحقاقات التسوية السياسية، ناهيك عن إطاحة حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي تكفله الشرعية الدولة، وإزالة الاحتلال الإسرائيلي بشكليه العسكري والاستعماري/ «الاستيطاني» من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، لكي يكون بالإمكان إقامة «دولة فلسطين». فضلا عن ذلك، الاعتراف الفلسطيني «بيهودية إسرائيل» هو فتح المجال أمام إعادة تهجير لفلسطينيي 1948، ونزع الشرعية عن مواطنة مليون ونصف المليون منهم. ومن الثابت أن مصطلح «الدولة اليهودية» لن يتعامل مع اليهودية كدين، وإنما مع الدولة القومية والثقافة اليهودية، بما أنها تشكل موطنا لليهود في العالم أجمع، على حساب أصحاب الأرض الشرعيين من العرب الفلسطينيين. لذا، لا يمكن، فلسطينيا، قبول الدعوات التي تصل حد مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حقوقهم ومعتقداتهم التاريخية لصالح معتقدات أو أساطير صهيونية «تاريخية»
ولنعترف: لقد تفاقمت الشهية الصهيونية هذه بعد أن تجاوز الإسرائيليون مسألة الاعتراف الفلسطيني والعربي بوجود «إسرائيل» بل وأيضا، بأحقيتها في الوجود! فهل نشحد شهيتنا العربية (والفلسطينية) من جديد ونستعيد ما أهدرناه من حقوق في ظل «مسيرة السلام» العبثية؟