القدس – التسمية والجغرافيا

التسمية والموقع
التسمية
تختص مدينة القدس بميزة حضارية ودينية تميزها عن باقي مدن العالم، فهي ذات مكانة دينية عالية لدى معتنقي الديانات السماوية الثلاث، مما جعلها محوراً دائماً للصراع والنزاع، ولمكانتها الخاصة؛ تعرضت القدس على مرِ التاريخ، لأربع وعشرين محاولة لتدميرها.
وحظيت مدينة القدس تاريخياً بأسماء عديدة، ارتبطت غالباً بالحقبة التاريخية لتلك التسمية، فقد عرفت قديماً بـ”يبوس”، نسبة إلى اليبوسيين بناة القدس الأولين. وقد ورد في سجلات الفراعنة اسم “يابيثي”. وتشير نصوص العهد القديم إلى أسماء مختلفة أخرى، أطلقت على القدس، منها هذا الاسم: “يبوس”.
كما أطلق على مدينة القدس اسم إيلياء، نسبة إلى إيلياء بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، وأعيد إطلاق اسم إيلياء على القدس في زمن الإمبراطور الروماني “هادريان”، وبدل اسمها إلى “إيليا كابيتولينا”، وصدر الاسم “إيليا”، وهو لقب عائلة هادريان، و”كابيتولين جوبيتر” هو الإله الروماني الرئيس، وظل اسم “إيليا” سائداً نحو مائتي سنة، إلى أن جاء الإمبراطور “قسطنطين” المتوفي عام 237م، وهو أول من تنصر من أباطرة الرومان، واعتمد المسيحية دينا رسميا وشعبيا في أنحاء الامبراطورية- فألغى اسم إيليا، وأعاد للمدينة اسمها الكنعاني، وأول اسم ثابت لمدينة القدس، هو “أوروسالم” أو “أوروشالم” (مدينة السلام) كما أسماها العرب الكنعانيون، وعرفها الفراعنة بهذا الاسم أيضا، ظهر اسم “أورشاليم” في الكتابات المسمارية على هذا النحو (أورو ـ سا ـ ليم)، وهو ما يوافق اسمها في الآثار الأشورية منذ القرن الثامن ق.م (أور ـ سا ـ لي ـ أمو)..
وإذا رجعنا إلى نصوص العهد القديم، نجد أن أقدم الأسماء العبرية، التي أطلقت على المدينة هو (شاليم)، ثم اختصر إلى (ساليم) أو (أورشليم). ثم تطور الاسم فصار يُنْطق (يوروشالايم)، وهو الاسم نفسه، الذي ظهر على العملة اليهودية، في الأدب اليهودي القديم.
ومن أسمائها “مدينة داود”، و”صهيون”، وذلك أثناء الحكم اليهودي لها. ثم اقتبسوا الاسم الكنعاني لها، وحرّفوه، وأصبحت تدعى “أورشاليم”، أي (البيت المقدس).
وفي الترجمة السبعينية، وردت أورشليم تحت اسم (إيروسليم). وفي كتابات يوسيفوس (هيروسليم). أما في سِفرَي المكابيين، الثاني والثالث، فـ (هيروسلوما)، وهو الاسم نفسه، الذي ورد في كتابات أسترابون، وشيشيرون وبليني، وثاكيتوس وغيرهم .
في أوائل الفتح الروماني، سميت “هيروسليما”، ثم “هيرو ساليما”. وعندما حاصرها تيطس (70م)، سميت “سوليموس”. وفي عصر الإمبراطور هادريان (117-138م) Hadrian Caesar Traianus Augustus ، صار الاسم الذي يطلق على منطقة أورشليم هو إيلياء الكبرى، أو إِيلياء كابيتوليناAelia Capitolina.
تسمى أيضاً (مدينة العدل) و(مدينة داود) ، أي مدينة القدس.
ظلت تعرف بالاسم الروماني “إيلياء” حتى الفتح الإسلامي. وقال ياقوت في “معجم البلدان” إن “إيلياء” و”إلياء” اسم لبيت المقدس، ومعناه بيت الله.
ومن أسمائها “بيت إيل (ومعناه بيت الرب)، والقرية، والأرض المباركة، والساهرة، والزيتون”. وأسماء كثيرة أخرى، لا مجال لحصرها .
أمّا الاسم (جيروسليم)، فقد ورد، للمرة الأولى، في الكتابات الفرنسية، التي ترجع إلى القرن الثاني عشر.
والاسم الشائع في اللغة العربية، هو (بيت المقدس) أو (القدس). أما في الكتابات المسيحية، فتسمى (أورشليم)، نقلاً عن اسمها العبري. أما عن معنى اسم (أورشليم)، فالرأي السائد، أن اسمها يعني (مدينة السلام) أو (مدينة الإله ساليم).
موقع مدينة القدس
1. الموقع الفلكي:
تقع مدينة القدس على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرقاً، وخط عرض 31 درجة و51 دقيقة شمالاً.
2. الموقع الجغرافي:
تميزت مدينة القدس بموقع جغرافي هام، بسبب موقعها على هضبة القدس وفوق القمم الجبلية التي تمثل السلسلة الوسطى للأراضي الفلسطينية، والتي بدورها تمثل خط تقسيم للمياه بين وادي الأردن شرقاً، والبحر المتوسط غربا؛ جعلت من اليسير عليها أن تتصل بجميع الجهات. وهي حلقة في سلسلة تمتد من الشمال إلى الجنوب فوق القمم الجبلية للمرتفعات الفلسطينية، وترتبط بطرق رئيسية تخترق المرتفعات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، كما أن هناك طرقاً عرضية تقطع هذه الطرق الرئيسية، لتربط وادي الأردن بالساحل الفلسطيني.
تقع القدس على الخط الأخضر (خط التقسيم)، الفاصل بين حدود الضفة الغربية لعام 1967 وحدود إسرائيل، في وادٍ رحب بين الجبال التي تحيط بها. وتبعد مسافة 54 كلم (33 ميلاً) شرق البحر المتوسط، ومسافة 23 كلم (14 ميلاً) غرب الطرف الشمالي للبحر الميت، ومسافة 250 كلم (150 ميلاً) شمال البحر الأحمر.
تتفاوت ارتفاعات المدينة فوق سطح البحر بين 2350 قدماً و258 قدماً.
أهمية الموقع:
ترجع أهمية الموقع الجغرافي، إلى كونه نقطة مرور لكثير من الطرق التجارية، وإلى مركزيته بالنسبة لفلسطين والعالم الخارجي معاً؛ حيث يجمع بين الانغلاق وما يعطيه من حماية طبيعية للمدينة، والانفتاح وما يعطيه من إمكان الاتصال بالمناطق والأقطار المجاورة؛ الأمر الذي كان يقود إلى احتلال سائر فلسطين والمناطق المجاورة في حال سقوط القدس.
إضافة إلى تشكيله مركزاً إشعاعياً روحانياً لدى الديانات الثلاث، وهذا كله يؤكد الأهمية الدينية والعسكرية والتجارية والسياسية أيضاً؛ لأنها بموقعها المركزي الذي يسيطر على كثير من الطرق التجارية، ولأنها كذلك محكومة بالاتصال بالمناطق المجاورة.
الحدود الجغرافية للقدس
النشأة الأولى:
كانت نشأة النواة الأولى لمدينة القدس، على (تل أوفيل) المطل على قرية سلوان، التي كان بها عين ماء تفي بحاجة السكان من الماء، إلا أنها هجرت وانتقلت إلى مكان آخر، هو (جبل بزيتا)، ومرتفع موريا الذي تقع عليه قبة الصخرة. وأحيطت هذه المنطقة بالأسوار، التي ظلت على حالها حتى بنى السلطــان العثماني (سليمان القانوني) سنة1542م، السور الذي لا يزال قائماً، راسماً الحدود الجغرافية للقدس القديمة، بعد أن كان سورها يمتد شمالا، حتى وصل في مرحلة من المراحل إلى منطقة المسجد المعروف (مسجد سعد وسعيد).
وفي أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، لم تعد مساحتها تستوعب الزيادة السكانية؛ فبدأ الامتداد العمراني خارج السور، فظهرت الأحياء الجديدة التي عرفت فيما بعد بالقدس الجديدة، إضافة إلى الضواحي المرتبطة بالمدينة التي كانت، ومازالت قرى تابعة لها، وقد اتخذ الامتداد العمراني اتجاهين:أحدهما شمالي غربي، والآخر جنوبي.
ونتيجة لنشوء الضواحي الاستيطانية في المنطقة العربية؛ رسمت الحدود البلدية بطريقة ترتبط بالوجود اليهودي، إذ امتد الخط من الجهة الغربية عدة كيلومترات، بينما اقتصر الامتداد من الجهتين الجنوبية والشرقية على بضع مئات من الأمتار؛ فتوقف خط الحدود أمام مداخل القرى العربية المجاورة للمدينة، ومنها قرى عربية كبيرة خارج حدود البلدية (الطور، شعفاط، دير ياسين، لفتا، سلوان، العيسوية، عين كارم المالحة، بيت صفافا)، مع أن هذه القرى تتاخم المدينة، حتى تكاد تكون ضواحي من ضواحيها، ثم جرى ترسيم الحدود البلدية في عام1921م.
ترسيم الحدود عام 1921م:
ضمت حدود البلدية القديمة قطاعاً عرضياً بعرض 400م، على طول الجانب الشرقي لسور المدينة، بالإضافة إلى أحياء (باب الساهرة، ووادي الجوز والشيخ جراح) من الناحية الشمالية، ومن الناحية الجنوبية انتهى خط الحدود إلى سور المدينة فقط، أما الناحية الغربية والتي تعادل مساحتها أضعاف القسم الشرقي، فقد شملتها الحدود؛ لاحتوائها تجمعات يهودية كبيرة، بالإضافة إلى بعض التجمـعات العربيـــة (القطمون، البقعة الفوقا والتحتا، الطالبية، الوعرية، الشيخ بدر، مأمن الله).
حدود عام 1946- 1948 م:
أما المخطط الثاني لحدود البلدية فقد وضع عام 1946م، وجرى بموجبه توسيع القسم الغربي عام 1931، وفي الجزء الشرقي، أضيفت قرية سلوان من الناحية الجنوبية ووادي الجوز، وبلغت مساحة المخطط 20.199 دونماً، كان توزيعها على النحو التالي:
• أملاك عربية 40%.
• أملاك يهودية 26.12%.
• أملاك مسيحية 13.86%.
• أملاك حكومية وبلدية 2.9%.
• طرق سكك حديدية 17.12%.
وتوسعت المساحة المبنية من 4130 دونماً عام 1918م، إلى 7230 دونماً عام1948م، وبين عامي (1947،1949م) جاءت فكرة التقسيم والتدويل؛ ففكرة تقسيم فلسطين وتدويل القدس، لم تكن جديدة؛ فقد طرحتها اللجنة الملكية بخصوص فلسطين (لجنة بيل)، حيث اقترحت اللجنة إبقاء القدس وبيت لحم إضافة إلى اللد والرملة ويافا، خارج حدود الدولتين (العربية واليهودية) مع وجود معابر حرة وآمنة، وجاء قرار التقسيم ليوصي مرة أخرى بتدويل القدس.
وقد نص القرار على أن تكون القدس (منطقة منفصلة)، تقع بين الدولتين: العربية، واليهودية، وتخضع لنظام دولي خاص، وتدار من قبل الأمم المتحدة بواسطة مجلس وصاية يقام لهذا الخصوص، وحدد القرار حدود القدس الخاضعة للتدويل بحيث شملت (عين كارم وموتا في الغرب وشعفاط في الشمال، وأبو ديس في الشرق، وبيت لحم في الجنوب)، لكن حرب عام 1948م وتصاعد المعارك الحربية التي أعقبت التقسيم أدت إلى تقسيم المدينة إلى قسمين.
وبتاريخ 30/ 11/ 1948م، وقعت السلطات الإسرائيلية والأردنية على اتفاق وقف إطلاق النار بعد أن تم تعيين خط تقسيم القدس بين القسمين الشرقي والغربي للمدينة في22/7/ 1948 وهكذا ومع نهاية عام 1948م، كانت القدس قد تقسمت إلى قسمين وتوزعت حدودها نتيجة لخط وقف إطلاق النار إلى:
– مناطق فلسطينية تحت السيطرة الأردنية 2.220 دونما 11.48%
– مناطق فلسطينية محتلة ( الغربية) 16.261 دونما 84.13 %
– مناطق حرام ومناطق للأمم المتحدة 850 دونما 4.40 %
المجموع 19.331 دونما 100%.
وهكذا، وبعد اتفاق الهدنة، تأكدت حقيقة اقتسام القدس بينهما، انسجاما مع موقفها السياسي المعارض لتدويل المدينة.
وبتاريخ 13/7/1951م، جرت أول انتخابات لبلدية القدس العربية، وقد أولت البلدية اهتماماً خاصاً بتعيين وتوسيع حدودها البلدية، وذلك؛ لاستيعاب الزيادة السكانية واستفحال الضائقة السكانية، وصودق على أول مخطط يبين حدود بلدية القدس (الشرقية) بتاريخ1/4/1952م، وقد ضمت المناطق التالية إلى مناطق نفوذ البلدية: (قرية سلوان، ورأس العامود، والصوانة وأرض السمار والجزء الجنوبي من قرية شعفاط)، وأصبحت المساحة الواقعة تحت نفوذ البلدية 4.6 كم2، في حين لم تزد مساحة الجزء المبني منها عن 3كم.
وفي 12/2/1957م، قرر مجلس البلدية توسيع حدود البلدية، نتيجة للقيود التي وضعها (كاندل) في منع البناء في سفوح جبل الزيتون، والسفوح الغربية والجنوبية لجبل المشارف (ماونت سكوبس)، بالإضافة إلى وجود مساحات كبيرة تعود للأديرة والكنائس، ووجود مشاكل أخرى مثل كون أغلبية الأرض مشاعا، ولم تجر عليها التسوية (الشيخ جراح وشعفاط)، وهكذا وفي جلسة لبلدية القدس بتاريخ 22/6/1958 ناقش المجلس مشروع توسيع حدود البلدية شمالا لتشمل منطقة بعرض 500م من كلا جانبي الشارع الرئيسي المؤدي إلى رام الله ويمتد شمالا حتى مطار قلنديا.
واستمرت مناقشة موضوع توسيع حدود البلدية، بما في ذلك وضع مخطط هيكل رئيسي للبلدية حتى عام 1959م دون نتيجة.
حدود عام 1967م:
في عام 1964م، وبعد إنتخابات عام 1963م، كانت هناك توصية بتوسيع حدود بلدية القدس، لتصبح مساحتها 75كم. ولكن نشوب حرب عام 1967م، أوقف المشروع، وبقيت حدودها كما كانت عليه في الخمسينات.
أما القدس الغربية فقد توسعت باتجاه الغرب والجنوب الغربي، وضمت إليها أحياء جديدة منها (كريات يوفيل، كريات مناحيم، عير نحانيم، وقرى عين كارم، بيت صفافا، دير ياسين، لفتا، والمالحة) لتبلغ مساحتها 38 كم.
أثر حرب 1967م على الحدود:
بعد إندلاع حرب 1967م، قامت إسرائيل باحتلال القدس، وبتاريخ 28/6/1967م، تم الإعلان عن